الأحد، 27 ديسمبر 2009

القدس بين محاولات التهويد .. واجراءات المواجهة


القدس بين محاولات التهويد .. وإجراءات المواجهة!!

أ.د. إبراهيم خليل العلاف
مركز الدراسات الإقليمية _جامعة الموصل
مقدمة :
تشغل القدس مكانة متقدمة في الفكر والوجدان العربيين منذ زمن بعيد، ويمكن أن نتلمس ذلك في ماورد من آيات قرآنية، وأحاديث نبوية بحق القدس ومسجدها الأقصى، وفي كتب فضائل القدس، الكثير من الإشارات على أهمية القدس. وقد ارتفعت مكانة القدس باتخاذها القبلة الأولى، إذ لما بني المسجد الأول في المدينة، كانت وجهته إلى بيت المقدس ثم جعلت القبلة إلى الكعبة المشرفة ، وحبذ الرسول محمد (ص) زيارة بيت المقدس قائلا:(وصلاة هناك تعادل عشرة آلاف في غيرها). وقد كان لأحاديث الرسول الكريم دور كبير في ترسيخ حرمة القدس في ضمير الأمة العربية والأمة الإسلامية.
ففضلا عن الأهمية الدينية للقدس، فان لها أهميتها التاريخية والجغرافية والتجارية والعسكرية. ففلسطين جزء لايتجزأ من الوطن العربي، وسكانها عرب ولغتهم عربية وعاداتهم عربية وموقع فلسطين من خريطة الوطن العربي، موقع القلب من الجسد الحي، وقد ادرك الغرب الاستعماري قيمة فلسطين فزرع الكيان الصهيوني ليفصل بين المشرق العربي والمغرب العربي، ويحول دون تحقيق الوحدة العربية.
القدس: معناها، موقعها، مكانتها
جاء في لسان العرب إن معنى التقديس: تنزيه الله عز وجل حينما نقول ننزه الله تعالى عن كذا فهي كلمة مؤدبة تعني أن الله عز وجل منزه عما يحيطه أو يشينه من صفات .. لذلك فهو القدس القدوس .. و القدس والقدوس اسمان من أسماء الله تعالى. وبيت المقدس يعني المكان الذي يتطهر فيه الإنسان من الذنوب، وفي لغة العرب القدس معناها (الإناء الذي يحمل فيه الماء للطهارة)، ومنه اخذ بيت المقدس معناه (البيت المطهر) أو (الأرض المطهرة). والمسجد الأقصى هو بيت المقدس، ونسبة الأقصى ترجع إلى انه وسط الدنيا لايزيد شرقه على غربه ولا ينقص. وفي مدينة القدس مكان أمين مقدس فيها منذ القدم، وهو الصخرة.
تقع القدس على خطوط عرض 31/12 درجة شمالا وعلى خط طول 35/12 درجة شرقا وتبلغ مساحتها 19231كم2 . وقد أقيمت المدينة على أربعة جبال هي: جبل سوريا ، وجبل اكرا وجبل صهيون وجبل تبريتا. وارتفاع المدينة عن سطح البحر يبلغ 2598 قدما. وقد انعم الله على مدينة القدس، وأضفى عليها جمال الطبيعة وطيب المناخ ووفرة الثروات والخيرات، فأصبحت بحق، زهرة المدائن.
وبشان مكانتها التاريخية ،فان منزلة القدس ارتفعت باتخاذها القبلة الأولى قبل الكعبة وبقيت كذلك حتى السنة الثانية للهجرة عام 642م ويعد حرمها ثالث الحرمين الشريفين.
وقد فتحت القدس سنة 17 هجرية (637م) وقد زارها الخليفة الراشدي الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وقرر شروط الصلح مع أهلها ،وكان لهذه الزيارة أثرها الكبير خاصة وأنها تعكس منزله القدس الشريفة. وقد عين الخليفة (عبادة بن الصامت) ليكون قاضيا فيها ويدل هذا التعيين على وجود عربي كبير فيها.. وتشير الدراسات التاريخية المتعددة أن من العشائر العربية التي سكنت فلسطين قيل الفتح (جذام، ولخم) وحين زارها الأسقف اركولف سنة 50 هـ (760م) وجد فيها مسجدا كبيرا يتسع لثلاثة آلاف مصل. وقد حظي بيت المقدس باهتمام الخلفاء الراشدين ثم الخلفاء الأمويين ،ومن ذلك أن الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان بنى فيها قبة الصخرة وقد بدأ ببنائها سنة 72هـ (692م) وكان في بنائه لقبة الصخرة تأكيدا على الهوية العربية الاسلامية للدولة التي كان على رأس قيادتها، وكان معظم الخلفاء الامويين يحرصون على زيارة بيت المقدس حتى أن سليمان بن عبد الملك فكر باتخاذها عاصمة له.
وعندما انتقل مركز الحكم إلى العراق بمجئ العباسيين، وجدت القدس عناية خاصة فقد زارها الخليفة أبو جعفر المنصور مرتين الأولى سنة 140هـ (779م) وأمر بتوسيع ارض المسجد واهتم الخليفة المأمون بالحرم القدسي الشريف، وفي عهده كان تعمير الباب الشرقي والباب الشمالي. والتفت الفاطميون إبان حكمهم لفلسطين إلى القدس وكانت في عهدهم قبلة العلماء والتجار والحجاج. وقد شهد القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي) نشاطا في الكتابة عن (فضائل القدس)، ويعود هذا إلى بدايات ظهور الأطماع الاستعمارية الصليبية، وازدياد حرمتها وقدسيتها حتى أنها صارت رمزا للجهاد والتحرير بالنسبة للمسلمين كافة.
لقد أدرك العرب والمسلمون أن الغزو الصليبي لفلسطين الذي ابتدأ سنة 1095هـ يعد امتدادا للإطماع والغزوات البيزنطية .وبدأ التحرك الرسمي لمواجهة هذه الأطماع الصليبية في عهد عماد الدين زنكي، صاحب الموصل وحلب، ثم جاء المجاهد نور الدين زنكي ابن عماد الدين فأكد على حرمتها، وأشار إلى أن ذلك لايتحقق إلا بالوحدة العربية والإسلامية، وارتفع صوت الجهاد زمن صلاح الدين الأيوبي وصارت القدس والأقصى شعار صلاح الدين لتكوين جبهة عربية- إسلامية تمتد من تكريت إلى الموصل فحلب فدمشق فالقاهرة. وجاءت معركة حطين التحريرية للقدس سنة 583هـ (1187م) لتشير إلى القدس وبفتح القدس بلغ صلاح الدين أوج الجهاد.
وفي أول صلاة جمعة بعد الفتح وبحضور الناصر صلاح الدين واحتشاد الناس في كل مكان بدا الخطيب ابن المزكي قوله: (( فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين)).ومما قاله الخطيب: إشارة للأقصى : فهو موطن أبيكم إبراهيم، ومعراج نبيكم محمد،وقبلتكم التي كنتم تصلون إليها في ابتداء الإسلام، وهي مقر الأنبياء ومقصد الأولياء ومقر الرسل ومهبط الوحي، وهو في ارض المحشر وصعيد المنشر، وهو في الأرض المقدسة التي ذكرها الله في الكتاب المبين، وهو المسجد الذي صلى فيه رسول الله بالملائكة المقربين.. الجهاد فهو أفضل عباداتكم.. انصروا الله ينصركم).
واستمرت القدس سببا في إذكاء روح الجهاد .وخلال العهد العثماني(1516-1918 ) عادت القدس مرة أخرى لتصبح ساحة للصراع بين العرب والمسلمين من جهة والمستعمرين من جهة أخرى .. الذين بدأوا منذ أواخر القرن التاسع عشر يعملون من اجل التسلل إليها.. وفي نيسان 1920 وضع مجلس الحلفاء الأعلى( فلسطين) تحت الانتداب البريطاني، وجاء موعد تحقيق الانكليز للوعد الذي قطعوه للصهاينة بوعد بلفور 1916لإنشاء ماسمي ب (وطن قومي لليهود في فلسطين).. وقد تم تنفيذ وعد بلفور في ظل وثيقة سميت (صك الانتداب) أقرتها عصبة الأمم ،سنة1920 ، وعلى هذا الأساس ساعدت بريطانيا جموعا كبيرة من اليهود على الهجرة إلى فلسطين، وقام الفلسطينيون بثورات عديدة سنة 1920 و1929 وفي سنة 1935 قام الشيخ عز الدين القسام بانتفاضة مسلحة ضد الوجود البريطاني_الصهيوني وفي سنة 1936 ثار الفلسطينيون ثورتهم الكبرى وفي عام 1947 أوصت الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين إلى دولتين : عربية ويهودية وتدويل منطقة القدس.
عروبة القدس:
يتحدث احد أبناء القدس، وهو المرحوم الاستاذ جبرا إبراهيم جبرا ، عن مدينته التي عاش فيها ردحا من الزمن قبل أن تقع تحت الاحتلال الصهيوني فيقول:(أن القدس كانت في الأصل، حتى أواخر القرن التاسع عشر هي المدينة المسورة بأبوابها السبعة، وأنها بدأت تفيض شيئا فشيئا بالضواحي المحيطة بها من جهاتها الأربع وقد اخذ هذا التوسيع بالتسارع بعد هدم قسم من السور عند باب الخليل سنة 1898، فكان ذلك تحقيقا للاتصال العضوي بين امتدادات المدينة وقسمها المسور)، ويضيف المرحوم جبرا إلى ذلك قوله : ( كان أقدم امتداد للمدينة خارج السور يتمثل في محلة النبي داود جنوبي المدينة وهي تعود إلى بضعة قرون خلت، غير أن امتداد المدينة الأكبر جعل يتكامل بين (1920و 1984 إلى الشمال والغرب والجنوب في آن واحد).
أما القدس الجديدة، فقد نشأت أجزاءها امتداد من شارع يافا من جهة ومن جهة أخرى امتداد من شارع مأمن الله ومقبرة مأمن الله وشارع القديس يوليان ولاسيما بعد انجاز بناء جمعية الشبان المسيحية في شارع القديس يوليان في الثلاثينات الأولى وبذلك أقيمت الصلات المباشرة بين المناطق المتباعدة من القدس الجديدة وبين البلدة القديمة نفسها. وفي أواسط القرن التاسع عشر كان الألمان قد انشاوا كولونية الألمان، وتليها كولونية اليونان، وعلى بضعة كيلومترات من السور.. ثم نشأت أحياء وأديرة هنا وهناك تابعة للكاثوليك والروم والروس الارثودكس وغيرهم، ونشأت عندها كذلك بعض الأحياء اليهودية بأموال من احد اليهود الانكليز هو (موسى مونتفيوري ). وكانت مناطق البقعة الفوقانية والطالبية والقطمون منذ ذلك الوقت حتى أواخر العشرينات من القرن الماضي أماكن نزهة واصطياف لأهالي القدس يملكها أفراد من القدس وبيت لحم غير أن هذه كلها في الثلاثينات كانت قد خططت وتم عمرانها ضمن رقعة فسيحة واحدة تحط بالمدينة السور ثم معظم نواحيها وبذلك تم نشوء القدس المعاصرة بشقيها القديم والجديد.
إن مايجب أن يقوله المرء عن القدس، يذكر المرحوم جبرا هو أنها مدينة عربية عريقة في عروبتها رغم أن الصهاينة احتلوا نصفها الجديد، فنصفها الجديد المحتل عربي عروبة نصفها القديم، وعروبة بقية فلسطين المحتلة وعندما يتحدث احد أبناء القدس عن مدينته يستحيل عليه أن يقصر الكلام عن المدينة المسورة وما نشأ حولها من بناء وتوسيع في قترة مابعد نكبة 1948، فالقدس في أرجاءها كلها وحدة عضوية ليس من الحق والمنطق أن تشطر الشطر الخبيث الذي ابتدعه الصهاينة.
القدس ومحاولات التهويد:
يدعى الصهاينة أن القدس هي عاصمة كيانهم المغتصب، لذلك فهم يعمدون كل يوم من اجل خلق واقع جديد، ويجري ذلك في صورة تحولات جغرافية وسكانية تؤدي في النهاية إلى تهويد القدس.
وبذلك يكون مصيرها مثل مصير مدينة يافا العربية العزيزة الذي اختفت من الخرائط وظهرت مكانها مدينة تل أبيب الصهيونية. إن ارض فلسطين ارض وقف إسلامي لاتباع ولا تشترى ومن وجهة نظر قومية فهي جزء من ارض الأمة العربية ولا يحق لأحد أن يتنازل عن جزء منها. ان القدس التي نتحدث عنها هي القدس بكاملها بشرقيتها وغربيتها: بالطالبية والشيخ جراح.. هذه كلها القدس.
لقد واجهت القدس ثلاث ضربات مؤلمة كانت الضربة الأولى هي احتلال ماعرف بالقدس الغربية من قبل العصابات الصهيونية في 11كانون الأول 1949. والضربة الثانية إن معظم قضاء القدس والقرى والبلدان المحيطة وقعت أيضا بأيدي صهيونية وأصبحت القدس تضم فقط قلب المدينة اوالمدينة القديمة وماحولها من أحياء، وتلقت القدس الضربة الثالثة بعد أن فقد الفلسطينيون أكثر من نصف المدينة ومعظم قضائها عندما فقدت القدس مكانتها كعاصمة وادي ذالك الذي تحول القدس (شرقي القدس) من مدينة كبيرة إلى قرية كبيرة أو مدينة صغيرة ولكن ولان القدس هي بالفعل عاصمة الفلسطينيين، ونظرا لمكانتها الدينية عربيا وإسلاميا، فقد عادت هذه المدينة لتأخذ مكانها الذي يتناسب مع تاريخها لكن الكيان الصهيوني احتل (القدس الشرقية) في حرب 5 حزيران عام ،1967 وقرر الكيان الصهيوني أن يضم أراضي القدس ويعدها أراضي إسرائيلية تاركا باقي الضفة الغربية باعتبارها أراضي محتلة .وبعد الاحتلال قام الكيان الصهيوني بخطوات عديدة لتهويد المدينة بدأت الخطوة الأولى بالضم واعتبرت الفلسطينيين مجرد أجانب يقيمون بموجب قانون الكيان الصهيوني لسنة 1954 أي أنها اعتبرت أن كل المواطنين الفلسطينيين في القدس قد قرروا بشكل جماعي، وفي ليلة واحدة الدخول إلى الكيان الصهيوني متجاوزة الاعتراف بحقيقة أن الجيش الصهيوني هو الذي دخل إلى هذه المدينة محتلا وهكذا وجد أبناء القدس أنفسهم يعاملون كأجانب في مدينتهم ويحصلون على حق الإقامة في وطنهم ولكنهم ليسوا مواطنين في هذه المدينة بموجب القوانين العنصرية الصهيونية ، ثم بدأ الكيان الصهيوني مباشرة بعد عام 1967 بتوسيع حدود بلدية القدس، وضمت إليها اكبر مساحة من الأرض وبأقل عدد من السكان ما امكن ذلك ،وبالتاي وسعت الحدود البلدية من 26كم2 إلى بلدية مساحتها 72 كم2 وعدتها كلها جزء من الكيان الصهيوني وانطلقت في محاولات متواصلة لتغيير الوضع القائم كذلك من خلال إجراء تغيرات جغرافية وسكانية تستهدف تهويد القدس أو ( أسرلتها) على حد تعبير الكاتبة البريطانية ( كيت ماجواير )، التي قدمت دراسة قيمة حول ( الخطوات الإسرائيلية للاستيلاء على القدس ) وتقول ماجواير ان الصهاينة يعملون لتغيير طابع مدينة القدس، بحيث تصبح يهودية من الناحيتين الإدارية والسكانية.كما بدأ الصهاينة بتوسيع حدود بلدية القدس وضم أراضي جديدة إليها وعدها جزءا من الكيان الصهيوني، وقد ارتفع عدد اليهود لكي يصبحوا أكثرية . وتشير بعض الدراسات إلى أن عدد اليهود في القدس وصل إلى000 433 ألف أي بنسبة 74% ويخطط الكيان الصهيوني لكي يصل عدد الصهاينة المهاجرين إلى مليون يهودي في القدس يقابله (200) إلف فلسطيني وقد اصدر الكنيست الصهيوني في 30 تموز 1980 قانونا ينص على أن القدس الموحدة هي عاصمة الكيان الصهيوني ،وان القدس هي مقر (رئيس الدولة) والكنيست والحكومة والمحكمة العليا. وبالرغم من شجب وإدانة الأمم المتحدة والمحافل الدولية لهذا القانون فانه ظل المنطلق في تحديد سياسات الحكومات الصهيونية المتعاقبة منذ تشريعه حتى الوقت الحاضر وقد اتخذت حكومة مناحيم بيغن (1977_1985) منه مرتكزا لمشاريعها الاستيطانية في القدس والتي يمكن تقسيمها إلى ثلاث مجموعات:
1_المشاريع المستهدفة للأحياء العربية في القدس نفسها بما يحقق طغيان العنصر اليهودي على الطابع العربي والإسلامي للمدينة ، وتحقيق التفوق العسكرية المستند لسياسة التطويق والعزل.
2_توسيع المدينة وربطها مع المستعمرات ( المستوطنات) المقامة حولها على أراضي القرى العربية القريبة من القدس في شعفاط والعيسوية والعيزرية وابو ديس وبيت صفافا شرفات وصر باهر وكذلك التدرج في قضم المدينة بالاتجاه شمالا وشرقا وجنوبا بمصادرة المزيد من الأراضي والتوسع في بناء المستعمرات بهدف عزل القرى العربية وتفكيك اواصرها وعزلها عن مركز مدينة القدس وباقي المدن وقرى الضفة الغربية ولهذا السبب تم الاستيلاء على قرى في سكاريا وارطاس وبيت ساحور.
3- استكمال عملية التهويد الشاملة للقدس الشرقية من خلال إقامة الحي اليهودي فيها وهذا الحي شكل حزاما من البنايات الحجرية المصممة على أسس عسكرية من طرف الكنائس والبيوت المتبقية في حارة الأرمن من الجهة الغربية للقدس إلى المسجد الأقصى في جانبها الشرقي وربط الحي اليهودي مع مجموعة الطرق الالتفافية ( الاستيطانية ) اليهودية في كل أحياء وحارات المدينة القديمة وصولا إلى السيطرة الكاملة على الشطر الشرقي من القدس في نهاية المطاف.
وفي عهد حكومة شيمون بيريز- اسحق شامير الثنائية 1985-1992، اتسمت السياسة الصهوينة تجاه القدس بالجمود بفعل الانتفاضة وبدء ماسمي بمؤتمر مدريد للسلام في 30 تشرين الأول-اكتوبر 1991 ،لكن هذا لم يمنع من مواصلة بناء المزيد من المستعمرات وتوسيع القائم منها، واستكمال تهويد القدس بهدف إخراجها من جدول أعمال المفاوضات وإلزام الطرف الفلسطيني بالاعتراف بسياسة الأمر الواقع عند بحث مسالة القدس فيما سمي بمفاوضات الوضع النهائي.
وفي 21 تشرين الأول 1993 سن الكنيست الصهيوني في عهد حكومة اسحق رابين الثانية 1992_ 1996، قانونا يقضي بالتزام الحكومة بالحصول على موافقة ثلثي أعضاء الكنيست أي بموافقة 80 عضوا من مجموع 120 عضوا (لإجراء أي تعديل على حدود مدينة القدس أو مكانتها). وقد جاء ذلك القانون، كما قيل في حينه، من اجل الحيلولة دون إقدام أية حكومة على الاستجابة للضغوط الدولية المحتملة، كما اقر الكنيست في 10 أيار-مايو 1994 قانونا آخر يقضي بان تبقى ((مدينة القدس موحدة إلى الأبد تحت سيادة إسرائيل)). وفي مطلع 1995 أفصحت حكومة رابين عن عزمها على مصادرة أكثر من (22) هكتارا من أراضي الفلسطينيين في (القدس الشرقية) لبناء مجمع سكاني لليهود ومركزا للشرطة. ولم يستطع مجلس الأمن أن يحول دون عملية المصادرة الواسعة النطاق هذا بفضل (الفيتو) الأمريكي في 17 أيار 1995 حيث بررت المندوبة الأمريكية آنذاك مادلين اولبرايت الفيتو الأمريكي بالقول: ( إننا لم نصوت ضد القرار لأننا نؤيد مصادرة إسرائيل أراضي القدس، ولكن حكومتي اضطرت لمعارضة القرار لان مجلس الأمن عليه أن يقول رأيا في الوضع الدائم للقدس بينما يتحدد هذا بالمفاوضات بين الأطراف المعنية بالقضية).
وجاءت حكومة بنيامين نتنياهو أيار 1996_1999) لتدعو الكنيست الصهيوني لسن قانون، يقضي بعدم جواز الانسحاب من أي شبر من القدس إلا بعد إجراء (استفتاء شعبي) على ذلك وان لاعودة إلى خطوط الرابع من حزيران 1967. وعند فوز نتنياهو في الانتخابات قال: ( لقد تم انتخابنا حتى نسهر على القدس) و(وليس للقدس أن تكون القدس موضع تفاوض) و (لاأحد يريد إعادة بناء سور برلين في القدس) و(سوف تستمر القدس غير مقسمة وتحت سيادتنا وان نعيد تقسيم القدس)!!.
وسار ايهودا باراك على نهج من سبقه بعدما وصل الى السلطة في الكيان الصهيوني (6 حزيران-يونيو 1999_10 كانون الأول-ديسمبر 2000) مؤكدا على (أن القدس عاصمة إسرائيل الأبدية). وقد تابع باراك سياسة تهويد القدس وكان يردد بان القدس (قلب إسرائيل) و(إسرائيل لايمكن أن تعيش بقلب منقسم.
وفي عهد شارون (2001) استمرت عملية التهويد بأبشع صورها ومن ذلك أن لجنة أمن القدس التي شكلتها الحكومة الصهيونية أوصت بسلسلة من الإجراءات ضد مدينة القدس والأقصى منها منع البناء في المسجد الأقصى وساحته ،ومنع دخول مواد البناء إلى ساحة الحرم وإيقاف خطب التحريض في يوم الجمعة ضد الاحتلال ،هذا فضلا عن سياسة القتل والتشريد وجرف المزارع العائدة لأهلنا في فلسطين وحتى كتابة هذه السطور فان عملية التهويد مستمرة وحكومة بنيامين نتنياهو الحالية تواصل العملية، ولعل من ابرز مااقدمت عليه منع أبناء القدس من الإعداد للاحتفال بمدينتهم عاصمة للثقافة العربية.
قال الدكتور أنور عشقي ، الباحث في مركز الدراسات الدولية في واشنطن وذلك في محاضرة ألقاها في النادي الأدبي بالجوف بالسعودية(15 آب –أغسطس 2009 )،أن عملية تهويد القدس ،والتي نعني بها ضم المدينة والقصبات الملحقة بها إلى الدولة العبرية وطرد أهلها وإخراجهم من مساكنهم ومصادرة أملاكهم وتوطين اليهود محلهم ، تقوم على الأسس التالية :
1.محاولة ضم القدس وهدم المسجد الأقصى وإقامة هيكل سليمان :
ففي عام 2005 بمناسبة الذكرى الثمانية والثلاثين عاماً علي احتلال القدس الشرقية عام 1967 أعلن شارون متحدياً المجتمع الدولي قائلاً بأن القدس ملك لإسرائيل وأنها لنا وإلى الأبد ولن تكون بعد اليوم ملكاً للأجانب وهو ما سبق أن أعلنه في المؤتمر السنوي لمنظمة ايباك أثناء زيارته لواشنطن في شهر مايو/أيار عام 2005.
.2 إخلاء القدس من الفلسطينيين:
طالب شيمون بيريز الرئيس الحالي الإسرائيلي بضرورة التهجير الجماعي للفلسطينيين من مدينة القدس المحتلة والذي يتجاوز عددهم ربع مليون نسمة بغرض بقاء القدس عاصمة لإسرائيل, لأنه وكما يقول: من الخطأ أن تبقي القدس عاصمة للشعب اليهودي وفي نفس الوقت تضم هؤلاء الفلسطينيين.
3 .خطة تنمية القدس وتغيير معالمها:
صدر بيان من مجلس الوزراء الإسرائيلي, متضمناً خطة أطلق عليها خطة تنمية القدس وتستهدف تعزيز سيطرة إسرائيل علي المدينة مما يجعل منها مدينة جذابة للمستثمرين تحتل المكانة اللائقة بها كأول مدن إسرائيل وقد رصد لها 280 مليون شيكل، وهو ما يعادل 64 مليون دولار.. وهذه الخطة تقوم على الآتي:
‌أ – بناء المساكن، وتوفير الوظائف التي تشجع الأزواج على الانتقال للإقامة بها.
‌ب – تنفيذ مخطط استيطاني جديد يتضمن هدم 68 مسكناً فلسطينياً، وتشريد 200 عائلة من سكانها بحي البستان في بلدة سلوان.
‌ج – توسيع المستوطنات.
‌د – تهويد القدس من خلال قيام الوزارات بتخصيص جزء من ميزانيتها لتشجيع الإسرائيليين علي الزحف إلى القدس للسكن والاستثمار لمواجهة تناقض التعداد اليهودي فيها, وخشية انتقال الفلسطينيين إليها من المناطق التي يحتلها الجدار الفاصل، وفرض القيود الصارمة على هذا الانتقال.
‌هـ - تنشيط المنظمات اليهودية المتطرفة لجذب أموال اليهود الأميركيين من الأثرياء لشراء ممتلكات في القدس.
.4 الدعم الأميركي:
وهذا الدعم يتمثل في مشروع قرار مجلس الشيوخ الأميركي، الذي يشترط الاعتراف بمدينة القدس عاصمة موحدة غير مقسمة لإسرائيل، مقابل الاعتراف بالدولة الفلسطينية مستقبلاً، والمحاولات المتكررة لأنصار إسرائيل في الكونجرس لنقل سفارة واشنطن إلي القدس، لتكريسها كعاصمة للدولة العبرية.
.5 فرض الأمر الواقع:
تصطدم إسرائيل بقرار مجلس الأمن 242 القاضي بأن تكون القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة ضمن الأراضي العربية المحتلة 1967 وهذا ما يقتضي انسحاب إسرائيل إلى حدودها وهو ما شملته رؤية الرئيس الأميركي الأسبق جورج دبليو بوش وخريطة الطريق والمبادرة العربية, لكن إسرائيل تحاول فرض أمر واقع على الأراضي.
لهذا فإن عمليات توسيع المستوطنات في الضفة والقدس, وضم الأراضي بالقوة, يعتبر مخالفاً لكل الاتفاقات والمعاهدات والقرارات الدولية التي تحظر الاستيطان, كما تعتبر مخالفة لاتفاقية لاهاي 1907 التي تحظر مادتها 49 على سلطة الاحتلال مصادرة الأملاك الخاصة للمواطنين، أما المادة 69 فتلزم سلطة الاحتلال احترام الأملاك الخاصة للمواطنين.
6 .الالتفاف على قرارات مجلس الأمن:
إن قرارات مجلس الأمن 446 و471 الذي يقضي بتفكيك المستوطنات, وهو ما أشار إليه تقرير لجنة ميتشل الذي دعى حكومة إسرائيل إلي تجميد جميع النشاطات الاستيطانية بما في ذلك النمو الطبيعي للمستوطنات القائمة, وتأكيد اللجنة أن شكل التعاون الأمني المطلوب لا يمكن أن يستمر طويلاً مع استمرار النشاط الاستيطاني.
7. عدم احترام المسؤولية كدولة احتلال:
إن الشرعية الدولية تحتم على إسرائيل كدولة احتلال ضرورة المحافظة على وضعية وهوية القدس الشريف, خاصة من منطقة الحرم القدسي, وتوفير الحماية له من كل عمليات التهويد, وخصوصاً التصرفات الحمقاء للمتطرفين ومحاولاتهم المستمرة لاقتحامه.
8- فصل القدس عن الضفة الغربية:
تحاول إسرائيل جهدها فصل القدس عن باقي الأراضي الفلسطينية بعدة وسائل بداية لتهويدها, ومن أهم هذه الممارسات, إقامة الجدار العازل الذي كان يقام تحت نظر وسمع حكومة بوش التي قامت بتخدير العرب بإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة.
لقد بدأت فكرة التهويد في أعقاب احتلال الضفة الغربية ومدينة القدس, وخلال هذه الفترة بدأ التخطيط لعملية التهويد حيث جرى البحث عن آثار للهيكل, والادعاء بأن فيها مقدسات يهودية, ومحاولة إقناع المجتمع الدولي بذلك, كما مرت هذه المرحلة بمحاولة لإحراق المسجد الأقصى في 21 آب-أغسطس 1969.
أما بداية التنفيذ، فقد بدأت الإجراءات مع بداية شهر يونيو/حزيران من عام 2005 ،عندما قامت الحكومة الإسرائيلية بهدم 88 منزلاً من حي البستان بمدينة سلوان التي تعتبر حياً من أحياء القدس، على الرغم من أنها بنيت بصورة قانونية، وتعتبر هذه العملية هي الأكبر من نوعها منذ الاحتلال في إطار المخطط الذي بدأ عام 1977 وأن هذه المنازل ستتحول إلى حدائق عامة، بالإضافة إلى إقامة مدينة داود عليها, ويدَّعون أنه كان يستحم فيها قبل ثلاثة آلاف عام.
إن الغرض الأساسي من ذلك ا العمل, هو إيجاد التواصل مع المستوطنات المحيطة, وعزل وتفريغ المدينة من الفلسطينيين, ومنعهم من الوصول إلى المسجد الأقصى ليتسنى بعد ذلك هدمه, وقد صاحب هذا العمل تحرشات وانتهاكات من جماعات يهودية متطرفة قامت بدعوات لاقتحام المسجد، وكان آخر هذه الدعوات في 6 يونيو/حزيران في ذكرى احتلال المدينة، ويعتبر هدم المنازل في المناطق المحتلة من جرائم الحرب في نظر القانون الدولي، وقد أيد ذلك ما جاء في تقرير منظمة العفو الدولية الذي نشر في 24ايار –مايو 2005.
جاء في تقرير مركز المعلومات الفلسطيني بأن عدد المنازل التي تضررت كلياً وجزئياً في الفترة من 29ايلول-سبتمبر 2000 حتى 28 شباط –فبراير 2005 بسبب الإجراءات التعسفية التي يقوم بها جيش الاحتلال من أفعال بلغ (69843) منزلاً منها 7438 منزلاً دمرت بالكامل.
أما مركز المعلومات لحقوق الإنسان في إسرائيل، فقد أعلن أنه قام بتسليم الحكومة الإسرائيلية في شهراذار- مارس 2005 مذكرة احتجاج تشير إلى أن عدد الفلسطينيين المتضررين من جدار الفصل العنصري المعدل الذي أقرته الحكومة الصهيونية يصل إلى قرابة نصف مليون إنسان, يسكنون في 85 بلدة وقرية، وبلغت الأراضي المصادرة بموجب الجدار العازل 536 ألف دونم، وهي تعادل 6% من مجموع أراضي الضفة الغربية. وتحدث المحاضر عن دور الكونجرس الأميركي قائلا: حاولت الحكومة الإسرائيلية إسباغ الشرعية الإسرائيلية الزائفة على المدينة المقدسة كي تصبح عاصمة لدولة الكيان الصهيوني، فعمدت إلى إجراء التفاهم بين الكنيست الإسرائيلي والكونجرس الأميركي كهيئتين تشريعيتين في محاولة لإصدار المزيد من القوانين، فقد أصدر الكنيست الإسرائيلي قراراً بضم القدس في الأيام الأولى للاحتلال الذي حدث في يونيو 1967، وتبع ذلك استصدار قرارات وقوانين عديدة من الكنيست من أهمها القانون الأساسي الصادر عام 1980 وغيره من القوانين.
في عام 1990 تبنى الكونجرس الأميركي قرار مجلس الشيوخ رقم 106 الذي أعلن أن الكونجرس يؤمن بشدة أن القدس ينبغي أن تبقى مقسمة، وأن تحترم بها حقوق كل الجماعات العرقية والدينية.
بعدها أصدر الكونجرس قرارات أخرى كان أخطرها ما يعرف بقانون الكونجرس بشأن القدس الصادر في 24 أكتوبر/تشرين الأول 1995، ثم تبعه مشروع القرار الذي تقدم به السيناتور (براونباك) في 19 نيسان-ابريل 2005 لاستكمال وتأكيد كل القرارات السابقة، وأخطرها قانون 24 تشرين الأول-اكتوبر 1995 الذي أعاد تكرار المغالطات التي تقضي بأن القدس عاصمة الشعب اليهودي لأكثر من 3 آلاف عام، وإنها كانت مركزية لليهود، وقد ذكرت في التوراة 766 مرة، وإنها لم تذكر في القرآن أبداً، وأن القدس هي مقر الحكومة الإسرائيلية بما فيها البرلمان الرئيسي، والمحكمة العليا.


أما مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات فيؤكد في تقريره الاستراتيجي ال16 الذي أصدره في آب –أغسطس 2009 بعنوان: (( مستقبل القدس في ظل إجراءات التهويد )) ،إن حلم إسرائيل بالقدس، والتي تسميها أورشليم، مازال بعيد المنال بسبب تشبث الفلسطينيين بها ،فالمعالم الإسلامية والمسيحية حاضرة بقوة داخل المدينة المقدسة بالرغم من مرور اكثر من 60 عاما على نشأة الكيان الصهيوني، وأكد التقرير انه في ضوء الترتيبات النهائية لمسار التسوية ،وفي ضوء فزع سلطات الاحتلال الإسرائيلي من تزايد أعداد المقدسيين، ومن الاختلال المتزايد في ميزان القوى بعد حرب لبنان الثانية 2006، وحرب الرصاص المصبوب على غزة 2008-2009 ،عاد تأكيد هدف حسم مصير القدس يأخذ أولوية لدى المجتمع السياسي الإسرائيلي، فتسارعت وتيرة تهويد المدينة، وعلى المستويين الجغرافي والديموغرافي معززة بالإجراءات الإدارية والأمنية .
وأشار التقرير إلى انه بينما يلقى مشروع التهويد دعما إسرائيليا رسميا في المجالات السياسية والمادية .فضلا عن التغاضي الدولي، تعاني مشاريع التصدي له ومساعي دعم صمود المقدسيين من الضعف ومن غياب المرجعية السياسية الفلسطينية والعربية فضلا عن الإسلامية.
وبناء على ذلك توصل التقدير المشار اليه ، إلى أن مستقبل القدس يواجه ثلاثة احتمالات: الأول نجاح مشروع التهويد في حسم هوية المدينة، والثاني تعرض مشروع التهويد لمصاعب ومشكلات حقيقية تعيق تنفيذه. والثالث إفشال مشروع تهويد شرقي القدس وإنهاؤه.
وأوصى المركز في نهاية تقديره بعدة مقترحات، منها: تعريف شعوب العالمين العربي والإسلامي بمكانة القدس ،وطبيعة التهديدات التي تتعرض لها من قبل الاحتلال الإسرائيلي، وتفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني، وتقديم المزيد من الدعم والمساندة للمقدسيين بما يمكنهم من مواجهة إجراءات الاحتلال، وتذكير المرجعيات الرسمية الفلسطينية والعربية والإسلامية بمسؤولياتها تجاه القدس وأهلها بما يجعلها تبادر لإطلاق مشاريع التثبيت والدعم على مستوى المباني والأراضي والسكان.
كما أوصى التقدير بضرورة تجاوز الانقسام السياسي بين حكومتي رام الله وغزة على الأقل في ملف القدس والمقدسيين.

إجراءات الحفاظ على هوية القدس العربية والإسلامية:
قاوم الفلسطينيون محاولات التهويد، واخذوا يدافعون عن عروبة مدينتهم وكانت خطوتهم الأولى إنشاء (الهيئة الإسلامية العليا) التي انطلقت في عملها استنادا إلى فتوى شرعية مضمونها :(انه إذا احتلت أراضي المسلمين من قبل غير المسلمين فعلى المسلمين أن يديروا شؤون أنفسهم بأنفسهم). وبناء على ذلك تم إنشاء المدارس الشرعية، والمحاكم الشرعية. وقد نجحوا في إخراج الجيش الصهيوني من المسجد الأقصى، ومن دوائر الأوقاف. كما انشأوا مدارس الأيتام الإسلامية، وأسسوا (المقاصد الخيرية الإسلامية) التي فتحت بضعة مستشفيات. ويناضل الفلسطينيون من اجل أن يبقوا مدينتهم عربية إسلامية.
ويما بعد يوم يدرك الصهاينة إن كل محاولاتهم للاستيلاء على بيوت داخل البلدة القديمة باءت بالفشل لذلك يحاولون إقامة مستعمرات خارج مدينة القدس ليحاصروا بها المدينة .
تحدث ابن القدس والمسؤول عن ملفها المرحوم فيصل الحسيني عن ( القدس منذ حزيران-يونيو 1967) في محاضرة ألقاها في 22 كانون الأول-ديسمبر 1997 فقال: ( إن معارك عنيفة خاضها الفلسطينيون من اجل الاحتفاظ بمؤسساتهم الثقافية والاجتماعية في القدس، وعملوا بكل قوة لمنع إلحاق هذه المؤسسات بالمؤسسات الإسرائيلية وقد مكنت هذه المعارك والمواجهات الفلسطينيين من الحفاظ على الشخصية العربية الإسلامية في القدس كما هي، ولم تسمح بان تكون إسرائيل هي المسيطرة. فالتجار الفلسطينيين رفضوا الانضمام إلى الغرفة التجارية (الإسرائيلية) كما احتفظ الفلسطينيون بمؤسساتهم الصحية والدينية والتعليمية وقد توجت كل هذه الجهود في التسعينات من القرن الماضي عندما أسس الفلسطينيون بمدينة القدس مركزا ومؤسسة مهمة سميت : (بيت الشرق) استكمالا للتواجد الفلسطيني في هذه المدينة. وأضاف الحسيني يقول أن أبناء القدس لايزالون يقاومون سياسة العزل والتهويد وصد عملية التقدم الاستعماري في البلدة القديمة وينظم الشبان في لجنة القدس وفروعها وهم في صراع دائم مع الصهاينة الذين ماانفكوا يعملون من اجل توسيع حدود بلدية المدينة لتصبح 72كم2 ،والهدف هو جلب المزيد من المستعمرين اليهود إلى مدينة القدس ومنافسة الأغلبية العربية فيها.
ويعتمد الصهاينة سياسة العزل والطرد.. عزل القدس عن محيطها العربي والدولي وطرد السكان العرب وترحيلهم، وهدم مساكنهم، وتخريب مزارعهم .وتقيم السلطات الصهيونية نقاط تفتيش حول المدينة لمنع كل من لايحمل تصريحا من الدخول ، كما تحرم أبناء الضفة الغربية وغزة من زيارة المدينة المقدسة، وتمنع الفلسطينيون من أعمار محددة من الصلاة في المسجد الأقصى .
إن القدس مازالت تتعرض منذ احتلالها سنة 1967 لأكثر الحملات المبيتة شراسة لمحو صبغتها العربية والإسلامية.. ولم يخفف من غلواء تلك الحملات ما يسمى بمفاوضات السلام ، فبعد مدريد 1991 وأوسلو 1993 تفاقم المخطط الصهيوني واتسعت ( عملية االاسرلة ) فالاستيطان جار على أشده وابتلاع المدينة مازال قائما ، فعلى سبيل المثال بلغت الأراضي المصادرة بعد أوسلو 1993 نحو 45 ألف دونم . وقد عمل الصهاينة على تكوين جدار استعماري سكاني على شكل قوس يحيط بمدينة القدس الشرقية ويتصل من خلال قاعدتي بالقدس الغربية ومد السنة استعمارية ( استيطانية ) من هذه القدس إلى القدس الغربية حتى يقسموا القدس الشرقية إلى جزر منفصلة ثم يأتوا إلى هذه الجزر ويزرعوا في داخلها نقاط استعمارية كي يتم التهام هذه المدينة قطعة قطعة بعد تغيير معالمها السكانية وخلق أغلبية عديدة من السكان اليهود وذلك من خلال بناء مستعمرات تستوعب المهاجرين اليهود على الأرض العربية التي تم احتلالها بحيث يعمل ذلك على تكريس الوجود الصهيوني وضرب أية محاولة لإقامة دولة عربية فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس
إن القدس العزيزة مازالت تتعرض منذ احتلالها سنة 1967 للتهويد على الرغم من أن احدا على المستوى الدولي، لم يعترف بضم القدس إلا القلة القليلة التي اعترفت بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني وهذا يتطلب من العرب ومن المسلمين أن يرتقوا إلى مستوى المسؤولية، ويعملوا على كافة الأصعدة لمنع إسرائيل من التهويد، والسعي باتجاه الحفاظ على هوية القدس العربية بشتى الوسائل الممكنة. ويقينا أنهم قادرون على ذلك إن أرادوا ومما يؤكد الحق الفلسطيني في القدس ما يظهر يوميا من أخبار ورؤى تتحدث عن فشل محاولات التهويد ، حتى أن مؤرخا اسرائيليا وصف محاولة تغيير معالم القدس بالخاسرة. وقال موشيه اميراف في حوار مع صحيفة فرانكفورتر روند شاو الألمانية أن المفاوضات التي جرت في كامب ديفد بالولايات المتحدة عام 2000، وشارك هو فيها كمستشار لرئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك، شهدت اتفاقا بين الفلسطينيين والإسرائيليين على نحو 95 % من المسائل المتعلقة بالقدس.
وقدمت الصحيفة الألمانية للحوار بالإشارة إلى أن أميراف، يعد أبرز خبير إسرائيلي في شأن القدس، وعمل قبل سنوات مستشارا لعمدة المدينة الأسبق تيدي كوليك، وصدر له هذا العام(2009 ) كتاب بعنوان :(عقدة القدس).
وقال المؤرخ الإسرائيلي بأن قيام المستوطنين اليهود، بمساعدة الشرطة الإسرائيلية، في طرد السكان الفلسطينيين من منازلهم في حي الشيخ جراح العربي بالقدس مؤخرا، يعد محاولة منهم لفرض واقع جديد، يؤدي إلى إعاقة أي مفاوضات تجري لتقسيم القدس.
ونبه إلى أن القدس أصبحت، منذ فترة طويلة ،مدينة مقسمة واقعيا بشهادة رئيس وزراء إسرائيل السابق إيهود أولمرت، واعتبر أن المستوطنين يخوضون في القدس معركة خاسرة لن تغير من واقع التقسيم الموجود بالمدينة.
وأشار إلى أن تشييد إسرائيل أوائل سبعينيات القرن الماضي للمشروعين الاستيطانيين الكبيرين بيغات زييف وراموت بتكلفة عشرة مليارات دولار، قد أسهم في تغيير الوضع الديموغرافي والجيوغرافي بالقدس الشرقية.
ولفت أميراف إلى حدوث تحول بمواقف الإسرائيليين من القدس حيث أيد 5% منهم قبل ثلاثين عاما تقسيم المدينة بينهم وبين الفلسطينيين، في حين وافق 60% منهم مؤخرا على إلحاق الأحياء العربية وحدها هناك بالدولة الفلسطينية المستقبلية.
إذا ،على العرب والمسلمين والخيرين في العالم، العمل بكل الوسائل الممكنة على منع إسرائيل من تهويد القدس وإلحاقها بالدولة العبرية .وهذا الأمر بحاجة إلى خطط إستراتيجية تأخذ بنظر الاعتبار خطورة المحاولات الإسرائيلية، وعدم شرعيتها .ويقينا أن الحق لايمكن أن يضيع مهما طال الزمن إذا كان هناك وراءه أناس يطالبون به، ويتفانون من اجله.وكما يقول المثل العربي لا يصح إلا الصحيح .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ويومكم مبارك ورمضانكم كريم

  ويومكم مبارك ورمضانكم كريم ونعود لنتواصل مع اليوم الجديد ............الجمعة 29-3-2024 ............جمعتكم مباركة واهلا بالاحبة والصورة من د...