الاثنين، 20 مايو 2013

في وداع الاستاذ الدكتور محمد يوسف نجم 1925-2009

 في وداع  الاستاذ الدكتور محمد يوسف نجم

د. عبدالله إبراهيم
    تبدو علاقة العرب بالموتى غريبة، فهم ينقسمون إلى نوعين، نوع يبخس الموتي أي اهتمام، ونوع يظهر مبالغة زائدة بهم حال وفاتهم. أما اهتمامهم بالأحياء فحدث ولاحرج.
حدث ذلك كثيرا في علاقتهم بنعي كبار مبد عيهم في مجال الأدب والفكر، ففئة منهم تبارت في إبداء ضروب التناعي كيلا تتهم بالقصور، والنكوص عن الواجب، وقد حصل ذلك إثر وفاة نجيب محفوظ، ومحمود درويش، والطيب صالح، حتى لم يعد من الممكن لأحد ألايقوم بذلك خشية اتهامه بالجهل وعدم التقدير، فأصبح ذكر هؤلاء بعد موتهم على كل لسان، وفئة أخرى سدت آذانها حتى عن ذكر مناقب الموتى الكبار، كما وقع ذلك بعد وفاة محمود أمين العالم، ومحمد يوسف نجم، وإحسان عباس، وعشرات من الشهب المضيئة التي أنارت سماء الثقافة العربية طوال أكثر من نصف قرن.
ولا أدري أيهما المفيد، الإفراط في النعي حد المبالغة أم الشح فيه حد التجاهل؟ ذلك ما وجدته وأنا أتابع الكرنفالات الإعلامية الخالية من أية قيمة التي أعقبت وفاة بعض الكتاب، وحالات النسيان، والتجاهل التام التي قوبل بها آخرون، وفي الحالتين أجد اهتماماً حقيقياً لإعادة تقييم آثار هؤلاء وأولئك، وتسليط الضوء على دورهم وقيمتهم الفكرية والإبداعية، وكل ذلك نوع من الرياء غايته إبراء الذمة وكأن العرب يستدركون على أنفسهم بجهلهم حينما يفرطون بالتناعي، أو يرمون بالنسيان رموزهم، فيشيحون بوجوههم عن ذكرهم. وهذه ظاهرة جديرة بالاهتمام. تظهر فجأة كلما رفع علم من أعلامنا يده بتحية الوداع الأخيرة.
مناسبة هذا الحديث خبر صغير لايلفت الانتباه نشر في كعب إحدى الصفحات الداخلية لجريدة عربية عن وفاة خالد الذكر، والمحقق، والمترجم، والأستاذ، محمد يوسف نجم، الذي نذر نفسه لمدة تزيد على ستة عقود في خدمة الثقافة العربية بما يستحيل على حتى الوفاء بوصف تلك الخدمة، وذلك الجهد، ناهيك عن تقدير قيمة كل ما قام به. ولم أجد ذكرا لوفاته سوى ذلك الخبر الصغير المنشور من طرف أسرته، وقد ظهر كإعلان مدفوع الثمن. ويذكر جيلي، وجيلي أساتذتي، الجهود التي يصعب حصرها التي قدمها هذا العالم الجليل للثقافة العربية في شتى فروعها.
حينما يذكر محمد يوسف نجم يعرف آلاف من تلامذته قيمة الجهد الأدبي الذي بذله، فضلاً عن الأدوار الأكايمية والثقافية التي عهدت إليه، وقد شكل ثنائياً نادراً مع المرحوم إحسان عباس في التأليف والترجمة، وكان أستاذ شرف للأدب العربي في الجامعة الأميركية في بيروت، وساعد في إعداد متحف الثقافة العربية بالإدارة الثقافية بجامعة الدول العربية، ثم أصبح مدير المكتبة والنشر ومنسق المحاضرات بمعهد الدراسات العربية العالية بجامعة الدول العربية بالقاهرة، ومديراً لمؤسسة فرنكلين، ثم رئيس اللجنة الدائمة العربية في المنطقة العربية للتربية والثقافة والعلوم، وهو عضو الهيئة الاستشارية واللجنة التنفيذية لمعهد المخطوطات العربية، وعضو المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية في عمان، وعضو المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون، وعضو مجمع اللغة العربية في دمشق.
وقد حاز عدة أو سمة من جامعة الدول العربية، والأردن، ولبنان، ونال جائزة الملك فيصل العالمية للأدب العربي في عام 1992. هذه سيرة ثقافية خصبة جديرة بكل ضروب الاحتفاء والثناء. وحينما تذكر ثقافة القرن التاسع عشر في مجال المسرح والسرد فمؤلفات محمد يوسف نجم هي المعتمدة، والرائدة، ولايمكن تخطيها بأية صورة من الصور، فقد ألهم عدداً كبيراً من الباحثين، وقادهم للتوغل في ذلك القرن الذي تأسست فيه ركائز الثقافة العربية الحديثة.
عاش محمد يوسف نجم حالة الغربة، وقضي نحبه في المنفى شأنه في ذلك شأن كثير من المفكرين والكتاب الفلسطينيين مثل هشام شرابي، وإدوارد سعيد، وجبرا إبراهيم جبرا، وغسان كنفاني، وإحسان عباس. ولد في عسقلان عام 1925، وحصل على بكالوريوس اللغة العربية في الجامعة الأمريكية ببيروت في عام 1946، ودرجة الماجستير في عام 1948، وعلى درجة ماجستير أخرى بجامعة فؤاد الأول بالقاهرة في عام 1951، وعلى الدكتوراه في عام 1950. وتعددت وجوه الإنتاج العلمي له، فمن كتبه الكثيرة والأثيرة: المسرحية في الأدب العربي الحديث، والقصة في الأدب العربي الحديث، وفن القصة، وفن المقالة. ولطالما اشترك مع زميله إحسان عباس في ترجمة عدد كبير من الكتب منها: مناهج النقد الأدبي بين النظرية والتطبيق، والنقد الأدبي ومدارسه الحديثة، دراسات في الحضارة الإسلامية. وحقق معظم المسرحيات العربية التي كتبت في القرن التاسع عشر، لمارون نقاش، وأبي خليل القباني، ويعقوب صنوع، وسليم النقاش، وإبراهيم الأحدب، ونشر معربات محمد عثمان جلال. وحقق كثيراً من دواوين الشعر العربي، وله فضلاً عما ذكرت على عشرات من الدراسات النقدية والأدبية التي تناولت التراث والمسرح العربي والقصص والشعر الحديث. إنه أمر لايحتمل أن يدرج نبأ وفاة هذا العلم البارز في كعب صحيفة، فذلك من التجاهل الذي يراد به التجهيل.توفي رحمه الله  وجزاه خيرا في 5-3-2009 .
*جريدة الرياض (السعودية )  http://www.alriyadh.com/2009/03/19/article416855.html

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

فلاديمير إيليتش لينين 1870-1924يعود الى العاصمة الروسية بطرسبورغ بعد عشر سنوات من النفي ليتسلم مقاليد ثورة اكتوبر الاشتراكية العظمى 1917

  فلاديمير إيليتش لينين 1870-1924يعود الى العاصمة الروسية بطرسبورغ بعد عشر سنوات من النفي ليتسلم مقاليد ثورة اكتوبر الاشتراكية العظمى 1917 ا...