السبت، 25 أكتوبر 2014

ذكريات الاستاذ سامي مهدي (51) عدّة الشاعر

ذكريات الاستاذ سامي مهدي (51)
عدّة الشاعر
لكل شاعر بداياته الساذجة ، بدايات يمكن أن تقع فيها أخطاء نحوية ، أو إملائية ، أو عروضية إن كان ممن يكتبون شعراً موزوناً . ولا يستبعد أن نجد فيها أيضاً تأثير من أعجب بهم ممن سبقوه ، وأنا مثل غيري كانت لي مثل هذه البدايات .
قبل أيام ذكرني الأستاذ وليد غالب بقصيدة لي نشرت في نهاية عام 1955 في مجلة عراقية كانت تصدر يومئذ إسمها ( الحياة العراقية ) . والقصيدة بعنوان ( وعد ) وهي من الشعر الحر ، منظومة على بحر ( الكامل ) وفيها تأثير واضح لشعر عبد الوهاب البياتي من عدة نواح منها : طريقة التصوير ، واستخدام الحوار الداخلي . ولكنها على سذاجتها خالية خلواً تاماً من أي خطأ ، نحوياً كان أم إملائياً ، وهي خالية أيضاً من أي خطأ عروضي ، وليس فيها أي زحاف أو أي تجوّز . ولم أكن يوم كتبتها سوى طالب في الدراسة المتوسطة ، ولم أنشرها إلا بعد مرور ما يقرب من عام على كتابتها . وأكيد أن من أجاز نشرها لاحظ سلامة لغتها ووزنها فنشرها .
وهذه القصيدة ليست أول قصيدة نشرتها في الصحف والمجلات ، فقد نشرت قبلها قصيدتين وقصتين قصيرتين في جريدة اسمها ( المجتمع ) ثم نشرت عدة قصائد وعدة مقالات في مجلات عراقية وعربية عام 1957 : الفنون ، الأسبوع ، الورود ، المجلة ، وكلها كان يخلو من الأخطاء التي ذكرتها ، قصائد ومقالات . والقصائد كانت منظومة على عدة بحور : السريع ، الوافر ، الكامل ، المتقارب ، وغيرها . ولكني أعدّها ، كلها ، من البدايات الساذجة ، بدايات شاعر وأديب لم ينضج بعد ، ولم يستكمل عدّته الثقافية . ولذلك تخليت عنها كلها حين نشرت مجموعتي الشعرية الأولى عام 1966 ، وعددتها نوعاً من التمرينات على الكتابة الشعرية والثقافية .
وأذكر أن أبناء جيلي كانوا يتجنبون الخطأ ، ويخجلون إن هم وقعوا فيه ، وكانوا يحاسبون أنفسهم على أخطائهم قبل أن يحاسبهم غيرهم ، وكان يسأل بعضهم بعضاً إن أشكلت عليهم مسألة لغوية أو عروضية . وكان للصحف والمجلات بريدها الأدبي ، يرد به المحرر الأدبي على ما يصله من مواد أدبية له رأي فيها ، أويعتذر عن نشرها ، وكنا ، نحن الميتدئين ، نخجل من أن يعلق هذا المحرر على المواد التي نرسلها إلى صحيفته ، أو ينشرها كلها ، أو ينشر جزءاً منها ، في زاوية هذا البريد ، ونعدها منقصة تحسب علينا .
وحين أصبحت بعد سنوات محرراً أدبياً في جريدة ( صوت العرب ) ثم في مجلة ( ألف باء ) كنت لا أسمح لنفسي بأن تمر علي مادة فيها أخطاء ، وإذا كانت الأخطاء كثيرة كنت أعتذر عن نشر المادة ، أما إذا كانت الأخطاء قليلة ( أعني خطأ واحداً أو خطأين ) فكنت أصححها قبل نشرها ، آملاً أن يلاحظ صاحب المادة ما صححته ويتجنب تكرار الخطأ . وهكذا كنت أفعل حين توليت رئاسة تحرير مجلات ثقافية وصحف يومية ، لأنني ، كما يعرف زملائي في العمل الصحفي ، كنت أقرأ المواد ، كل المواد ، من ألفها إلى يائها ن وكان بعضهم يعد هذا مبالغة في التحوط .
اللغة هي عدة الشاعر ، وإتقانها من واجباته ، ولا يجوز له أن يستخفّ بها ، ويهوّن على نفسه أخطاءه فيها . وما ينطبق من هذا على الشاعر ينطبق على كل أديب وكاتب ومؤلف ، مهما كان اختصاصه الأدبي والفكري . وقد يغتفر لغير الأديب الوقوع في خطأ أو خطأين في ما يكتب ، ولكن ينبغي عليه ألا يستمريء الخطأ حتى يصبح ظاهرة تلازم كتاباته .
أما الوزن فهو جزء من عدة الشاعر الذي يكتب شعراً موزوناً ، فلا يجوز لمن يكتب الشعر الموزون أن يخطيء في الوزن ، ويكثر من الزحافات والعلل والتجوزات ، بذريعة أنه يجوز للشاعر ما لا يجوز للناثر .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تقديم الاستاذ الدكتور ابراهيم خليل العلاف* لكتاب الاستاذ جاسم عبد شلال النعيمي الموسوم ( رجال ونساء الخدمات المجتمعية في الموصل خلال العهد العثماني )

                          الاستاذ جاسم عبد شلال النعيمي يهدي الدكتور ابراهيم  خليل العلاف عددا من مؤلفاته المنشورة      تقديم  الاستاذ الدكت...