الاثنين، 14 ديسمبر 2015

حين يكتبُ يوسف العاني تاريخ العراق مسرحيا  ابراهيم العلاف 






حين يكتبُ يوسف العاني تاريخ العراق مسرحيا 
ابراهيم العلاف 
منذ ان كنا طلابا في جامعة بغداد اوائل الستينات كنا نرتاد فرقة المسرح الفني الحديث ولم يكن دخول المسرح سهلا اذ كان لابد ان نحجز مقاعدنا قبل فترة مناسبة وحسب اهمية المسرحية .يوسف العاني كان بطل فرقة المسرح الفني الحديث وكان داينمو هذه الفرقة وقد شاهدت الكثير من المسرحيات التي قدمت من على هذا المسرح ومنها على سبيل المثال : الرجل الذي صار كلبا ، والبستوكة ،ورأس الشليلة ، والشريعة ، وآني امك ياشاكر .
في مسرحية "الشريعة " والتي قرأت عنها مرة مقالا في مجلة "الثقافة " البغدادية العدد السابع الصادر في آب سنة 1971 كتبه الاستاذ عبد الكاظم البياتي في تموز 1971 قال فيه ان مسرحية "الشريعة " ليست مسرحية تاريخية بالمعنى الضيق لهذه الكلمة ذلك لانها رغم معالجتها لاحداث وشخوص وقضايا تاريخية من تاريخ العراق في العهد الملكي المندثر 1921-1958 ،فإنها تنسحب على كل الازمان وهذا هو سر اصالتها .ان احداثها ابتدأت لكنها لم تنته ولن تنتهي الا اذا تحقق ذلك العالم السعيد الذي زج بسببه حسن المضمد ودعبول والاف غيرهما في السجون والمعتقلات " .
حاول يوسف العاني من خلال هذه المسرحية ومسرحيات اخرى ان ينقل معاناة العراقيين من الفقر والجهل والمرض وابرز مقاومتهم لنظام الحكم السائد في العهد الملكي ونصرته للقضية الفلسطينية واراد من ذلك لاان يسجل التاريخ بقدر ما كان يهدف الى استخدام التاريخ كوسيلة لشحذ الهمم وتنمية الوعي والتأكيد على ان اي شعب لايستطيع بناء حياة حرة مرفهة وكريمة الا عبر نضال ابنائه .
ومن الطريف ان يوسف العاني لكي يستطيع ان يحقق هدفه هذا كان لايتورع من ان يستخدم اسلوب السخرية من الواقع لابقصد اضحاك الجمهور وانما لكي يجعلهم يسخرون ويستهزأون من تلك المجالس النيابية البائسة وطرق الانتخابات الشكلية وبذلك فإنه يعمل على فتح عيونهم ويستثير وعيهم لتقييم واقعهم المزري .
ومما اكده يوسف العاني الدور الفاعل الذي ينبغي ان يقوم به المثقف والمناضل للتفاعل مع المجتمع .كما لمح الى اثر الادب الملتزم في المعركة ضد الظلم والاستبداد والمقاومة ضد المستغلين والرجعيين المرتبطين بالاستعمار وكان يجعل ابطاله يرددون القصائد الوطنية المثيرة للحماس ومنها مثلا ترديد قصيدة "جرح الشهيد " لشاعر العرب الاكبر محمد مهدي الجواهري .ومن هنا فمسرحيات يوسف العاني سياسية واجتماعية كتبت تاريخ نضال العراقيين ضد الاستعمار والرجعية والظلم والجهل مسرحيا .وقدم ابطاله او بعضا من ابطاله ممثلين لشرائح المجتمع العراقي وفيهم الانسان الصادق والانسان الكاذب والانتهازي والمظلوم وعديم الغيرة وعديم المسؤولية والجاهل والمثقف السلبي والمثقف العضوي الذي يشعر بشعور اهله ويلتزم بقضاياه المصيرية .
كان عندما يقدم كل هذه النماذج فلكي يؤكد طبيعة الحياة وعظمة القيم الانسانية ويشدد على النموذج الذي يندمج بكل عواطفه واحاسيسه مع مجتمعه ..كان يريد ان يجعلنا نبتعد عن الدجل والشعوذة والخرافات ..كان يريد ان يدعو الى استخدام العقل والتفكير .
عمو حساني وسبع وشاحوذ ودعبول وعلي طابو وملا زهرة وفاضل وماهية وام فاضل وسعاد وغيرهم من شخصيات مسرحية الشريعة استطاع يوسف العاني وقاسم محمد الذي اخرج المسرحية وابطال المسرحية الذين مثلوا الادوار : روميو يوسف وزينب وكريم عواد وصلاح القصب وخليل الرفاعي وناهدة الرماح وعبد الجبار عباس وسامي عبد الحميد وسامي السراج ومجيد العزاوي ونادية وهبي كل اولئك العمالقة كانوا صادقين :صادقين في حياتهم وصادقين وهم يؤدون ادوارهم على المسرح وصادقين في تقديم النموذج للانسان الذي ينبغي ان لايتوقف عن التفكير بالعالم وبالحياة والمجتمع وهذا ما جعل يوسف العاني ينهي مسرحيته بأن يفتح سؤالا لابد من اجابته بالاستناد الى الفكر التقدمي التنويري المتطور الذي يدعو الانسان الى الصبر وغذ السير من اجل تغيير المجتمع واقامة عالم جديد دعا اليها شاعرنا السياب عندما قال في "انشودة المطر " ان هذا العالم سيبنيه الجياع والعراق والمقهورين والعبيد والمستضعفين والمهمشين :عام الغد الفتي واهب الحياة .
______________________________________________
*مسرحية الشريعة تأليف الاستاذ يوسف العاني .. اخراج الاستاذ قاسم محمد ............مقطع يظهر فيه الفنان كريم عواد والفنان عبد الجبار عباس .
أخرجها ثانية الدكتور فاضل خليل ومثل فيها ليلى محمد وعبد الجبار كاظم و خليل الرفاعي ويوسف العاني ومديحة وجدي وغازي الكناني وامل طه ورضا شهيد وسعدية الزيدي واخرون.. http://wwwallafblogspotcom.blogspot.com/2013/02/blog-post_9

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

معنى كلمتي (جريدة ) و(مجلة )

  معنى كلمتي ( جريدة) و(مجلة) ! - ابراهيم العلاف ومرة تحدثت عن معنى كلمة (جريدة ) وقلت ان كلمة جريدة من   (الجريد) ، و( الجريد) لغة هي :  سع...