الخميس، 5 أكتوبر 2017

ديون العراق في عهد الملك فيصل الاول 1921-1933 ا.د. ابراهيم خليل العلاف

ديون العراق في عهد الملك فيصل الاول 1921-1933
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس -جامعة الموصل
سألتني الان على الخاص الاخت Riyam Gh Najeeb عن فيما اذا كانت هناك ديون او قروض على العراق في عهد الملك فيصل الاول ملك العراق الاسبق 1921-1933 ؛ فأجبتها بإختصار ( نعم كانت هناك ديون) والان - وكما وعدتها ان افصل في ذلك - واقول انه بعد ان انتهت الحرب العالمية الاولى (الحرب العظمى كما كانت تسمى حينئذ ) وسقطت الدولة العثمانية وخسرت الحرب كانت عليها ( ديون ) استدانتها ولكنها عجزت عن تسديدها ، وعن تحمل الفوائد وقد بلغت الديون 126 مليونا من الباونات الاسترلينية .
ولما بدأت مفاوضات الصلح في لوزان سنة 1923 ، قسم الحلفاء ديون الدولة العثمانية الى قسمين : اولهما الديون المترتبة على الدولة العثمانية قبل حرب البلقان 1913 وتقرر توزيعها على الدول التي الحقت اليها بعض الاجزاء التي انفصلت عن الدولة العثمانية وبين الدولة العثمانية نفسها .
والقسم الثاني من الديون هي الديون التي تكونت بعد السنة 1913 ، وقبل دخول الدولة العثمانية الحرب العظمى في الاول من تشرين الثاني سنة 1914 وهذه تضاف الى حصة الدولة العثمانية من الديون السابقة وتوزع بين الجمهورية التركية التي تأسست بزعامة مصطفى كمال اتاتورك سنة 1923 وهي الجمهورية التي ورثت الدولة العثمانية وبين الاجزاء التي انسلخت عنها في نهاية الحرب ومنها العراق الذي اقام له كيان مستقل بإسم المملكة العراقية .
وقد كتب المندوب السامي البريطاني الى الحكومة العراقية ، بصفة كونها احدى الاجزاء التي كانت تابعة للدولة العثمانية المبادة كتابا في 10 ايلول سنة 1924 يطلب منها ارسال ممثل الى استانبول لمعرفة ما سيقع على العراق من ديون.
وقد قرر مجلس الوزراء في 6 تشرين الاول سنة 1924 انتداب الاقتصادي العراقي اليهودي ابراهيم افندي الكبير وكان يشغل منصب مدير الحسابات العام ، ومعه مساعد من وزارة المالية للسفر الى استنبول وكان علي ممتاز الدفتري وحددت مهمتهما بتدقيق الحسابات التي نظمتها ادارة الديون العمومية ووزعتها على الدول التي انسلخت عن الدولة العثمانية وقد استطاع ابراهيم افندي الكبير مع زملاءه بعد التدقيق والحوار انقاص ما سيترتب على العراق دفعه .
لقد فرض على العراق مبلغ كبير ، واعترضت الحكومة العراقية وارسلت في كانون الثاني سنة 1925 وفدا ماليا برئاسة المستر ( بالبي ) مراقب الحسابات العام ومعه ابراهيم افندي الكبير ، وكان قد عين ( المسيو بورل ) حكما لتدقيق الاعتراضات فاعترف هذا بصحة اعتراض العراق وخفض من الحصة التي فرضت على العراق 130000 جنيه استرليني واصبحت حصة العراق من اصل الدين 6772142 جنيها يضاف اليها الاقساط المتأخرة بسبب عدم تأدية الاقساط السنوية في وقتها منذ اذار سنة 1920 وهي قرابة ثلاثة ملايين جنيها واصبح المجموع الصافي 10007265 من الجنيهات تقرر تسديدها بدفعات سنوية تستغرق ثمانين سنة .
هناك مسألة اعترضت التسديد ، وهي ما نوع العملة التي يجب ان تسدد بها الديون؟ . لذلك ارسل العراق وزير المالية انذاك صبيح نشأت ومستشار وزارته الانكليزي ( فرنن )الى لندن لبحث القضية واثناء وجودهما في لندن علما بأن حكومة فلسطين البريطانية انذاك راغبة في شراء الاسهم المطروحة للبيع بأثمان بخسة نظرا لامتناع الحكومة التركية غن تسديد الاقساط المترتبة عليها وانها اي حكومة فلسطين ستسدد ديونها من الاسهم التي ستشتريها .
ويقول الاستاذ عبد الرزاق الحسني في كتابه (تاريخ الوزارات العراقية ) ان المستشار البريطاني اقترح على وزير مالية العراق ان يفعل العراق ما سوف تفعله حكومة فلسطين وان يأخذ على عاتقه مسؤولية استغلال المبالغ المخصصة في الميزانية العامة من اجل تسديد الديون العمومية العثمانية من خلال شراء الاسهم المتوفرة بثمن زهيد ويتم بعدئذ تسديد الديون المترتبة على العراق من خلال ذلك .
وقد حرص وزير المالية العراقية انذاك ان لايأخذ موافقات على هذا العمل وان يبقيه سرا لئلا ترتفع اسعار الاسهم ولم يستطع ان يتخذ قرارا يتحمل هو مسؤوليته .
وبعد ان سقطت وزارة عبد الحسن السعدون وجاءت وزارة جعفر العسكري كان ياسين الهاشمي وزير المالية فيها وقد اطلع على ما قام به سلفه فقرر ان يأخذ المسؤولية على عاتقه ويصدر الامر بشراء سندات الدين اعثماني من الفضلة المتراكمة ومن دون ان يستشير مجلس الوزراء وقد حظي موقفه هذا بموافقة المستر ليوبولد ايمري وزير المستعمرات البريطاني الذي امتدح ما قرر ياسين الهاشمي القيام به وكتب بذلك كتابا سريا الى المندوب السامي في بغداد في 30 اب سنىة 1928 .
وقد اشترى العراق نحو تسعة ملايين ونصف المليون من الجنيهات الاسترلينية بشكل اسهم وكوبونات بمبلغ لايتجاوز 1230000 جنيها اي بنحو 15 %من قيمتها .
المهم انه بعد ذلك تمت عملية تسوية ديون العاقبما اشتراه العراق من الاسهم والكوبونات وكان وزير المالية يوسف غنيمة في وزارة عبد المحسن السعدون الثالثة التي تشكلت يوم 14 كانون الثاني من سنة 1928 ، وبعد كفاح طويل وأخذ ورد ، وافق مجلس الديون العمومية العثمانية الذي شكله الحلفاء في 2 ايار سنة 1928 على قبول الاسهم المشار اليها من العراق ولكنه اشترط ان يسدد باقي الدين ومقداره 498922 جنيها استرلينيا انكليزيا نقدا لمدة سبع سنوات وان يدفع القسط الاول في 1 اذار سنة 1929 .
قدم ياسين الهاشمي الى التحقيق لكن خطوته الذكية هذه قوبلت بالاستحسان وصدر مرسوم ملكي وقعه الملك فيصل الاول رحمه الله في 29 اذار 1930 نصت مادته الثانية على ان يخول وزير المالية قبول شراء اسهم الديون العثمانية مع كوبناتها المستحقة قبل واحد اذار سنة 1928 وتسليمها الى (مجلس الديون العمومية العثمانية ) تسوية لحصة العراق من الديون المذكورة .ونصت المادة الثانية من المرسوم الملكي على تخويل وزير المالية تسديد المبالغ المتبقية من الدين بسبعة اقساط سنوية متساوية على ان تدفع الاقساط الثلاثة منها نقدا او تحتسب على ميزانية 1930 لان الاسهم المشتراة لم تسد المبلغ المطلوب
وهكذا تخلص العراق من دينه البالغ عشرة ملايين و(7265 ) جنيها استرلينيا بمبلغ قدره ( مليون و230 الف جنيها نقدا ) واقساط سنوية لايتجاوز مجموعها (383037 )جنيها بفضل العمل الجريء الذي قام به ياسين الهاشمي بدقة وحذاقة واخلاص للوطن .
أقول هذا لمن يدعي ان العراق كيان مصطنع شكله الانكليز ترى لماذا حمل الحلفاء العراق مسؤولية دفع ديون الدولة العثمانية مثلما حمل تركيا وغيرها من الدول التي كانت تابعة للدولة العثمانية وطيلة قرون .
كما اذكر سياسيي اليوم بما فعله الرجال المخلصين من سياسيي أمس تجاه بلدهم العظيم العراق فإستحقوا التقدير والاحترام .
واذكرهم ايضا بالرجل العراقي اليهودي ابراهيم افندي الكبير وما فعله من اجل العراق .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

بيوت في ذلك الزقاق ...............فيلم عراقي مهم

  بيوت في ذلك الزقاق ...............فيلم عراقي مهم - ابراهيم العلاف وفي إطار التوثيق للسينما العراقية المعاصرة ، ثمة أفلام تنتمي الى الواقع...